درس انجليزى...!!

ملخص كان يوم الأربعاء الماضي حيث الجولة الأخيرة للتصفيات الأوروبية المؤهلة ليورو 2008 وهي بالطبع البطولة الأهم والأكثر متعة عالميا بعد كأس العالم

كان يوم الأربعاء الماضي حيث الجولة الأخيرة للتصفيات الأوروبية المؤهلة ليورو 2008 وهي بالطبع البطولة الأهم والأكثر متعة عالميا بعد كأس العالم .. وكانت معظم المنتخبات الكبيرة في القارة العجوز تقريبا قد ضمنت التأهل باستثناء المنتخب الإنجليزي .. وكنت حريص جدا على مشاهدة مباراة الإنجليز الأخيرة في التصفيات أمام المنتخب الكرواتي وهي المباراة التي كانت تمثل للإنجليز عنق الزجاجة للمرور للنهائيات.

لن أخفي أن حرصي على متابعة المباراة لم يكن بدافع مشاهدة فنون كرة القدم، فأنا لست من محبي الكرة الإنجليزية ولا أجد مثل الكثير من محبي الساحرة المستديرة أي متعة في مشاهدة المنتخب الإنجليزي باستثناء بعض اللاعبين القلائل من أصحاب المهارات الفردية مثل لامبارد وجيرارد .. حتى أن مصطلح "الكرة الإنجليزية" يستخدم في كثير من الأحيان للإشارة إلى طرق اللعب العقيمة الخالية من المهارات والفنون الكروية.

كنت حريص على مشاهدة المباراة نظرا لما لها من أهمية عند المشجع الإنجليزي – وما أدراك ما هو المشجع الإنجليزي – خاصة وأن المباراة كان محددا لها ملعب ويمبلي الجديد في عاصمة الضباب بعقر دار الإنجليز .. هذا إلى جانب إحساسي بأن المفاجأة واردة خاصة في ظل المستوى المتذبذب للإنجليز على طوال مشوار التصفيات بفضل القيادة الفنية الضعيفة المستوى من جانب - كثير الكلام قليل الإنتاج - ستيف مكلارين.

قررت أن أفعل كل ما أستطيع في هذا اليوم حتى أتمكن من متابعة هذا الحدث .. نعم فالمباراة في ظل هذه المعطيات كانت تمثل حدث .. فخسارة المنتخب الإنجليزي واردة إلى حد كبير والخسارة ستكون أمام الجمهور الإنجليزي المعروف بشغبه على مستوى العالم، حتى أن معظم مدن العالم تعلن حالة التأهب الأمني عندما تطأ قدم المشجع الإنجليزي أرضها.

كما أن المؤشرات العالمية لشغب الملاعب من إيطاليا حتى مصر وما حدث فيها مؤخرا! .. يبشر بحدوث ما لا يحمد عقباه في حال خسارة الإنجليز وضياع تذكرة التأهل من بين أيديهم.

هنا اتخذت قرار حاسم بإلغاء جميع ارتباطي من الساعة العاشرة وحتى الثانية عشر مساء وهو موعد انتهاء المباراة وتداعياتها مضحيا بموعد لقائي مع أصدقائي وهي الفرصة التي لا تتكرر كثيرا في ظل زحام الحياة وارتباط كلا منا بعمله.

انتهيت من عملي في الساعة الثامنة والنصف تقريبا ووصلت المنزل في تمام التاسعة أي قبل المباراة بساعة كاملة واستطعت بعد صراع مع أخي - الذي كان على موعد مع فيلم يعرض على الشاشة الفضية لأول مرة ويتزامن موعد عرضه مع موعد المباراة - استطعت أن أسيطر على جهاز التلفزيون وأتفرغ لمشاهدة المباراة التي كنت أتوقع لها سيناريو يفوق أقوى أفلام "الأكشن" .

بدأت المباراة وجاءت أحداثها مثيرة وممتعة على عكس ما توقعت وخاصة من جانب المنتخب الكرواتي الذي لعب مباراة جيدة واستفاد من أخطاء المدرب الإنجليزي العبقري مكلارين والحارس الضعيف سكوت كارسون الذي تسبب في الهدف الأول من خطأ ساذج.

انتهت المباراة التي ظلت نتيجتها معلقة حتى الدقائق الأخيرة بفوز المنتخب الكرواتي وضياع حلم التأهل للنهائيات على الإنجليز .. هنا زاد تركيزي وتوقعت أن يقوم بعض المشجعين الإنجليز بجذب أحد لاعبي المنتخب الكرواتي بين مدرجات ملعب ويمبلي الجديد لينهالوا عليه ضربا! .. أو أن تقوم مجموعة أخرى من الجماهير بقذف المدرب مكلارين – المسئول الأول عن الخسارة والذي لم يقدم للشعب الإنجليزي أي إنجاز يذكر – توقعت أن تقذفه الجماهير بزجاجات المياه الفارغة!.

ولكن للمرة الثانية تخيب توقعاتي ووجدت الجمهور الإنجليزي وقد تبدل تماما .. الجميع يصفق للاعبي منتخب بلدهم .. نعم يصفقون للاعبين وللمدرب، بل قامت الجماهير بتوجيه التحية للاعبي المنتخب الكرواتي ومدربهم لأنهم كانوا الأجدر والأحق بالفوز.

لقد تعلم الإنجليز من أخطاء الماضي، أيقنوا أن كرة القدم هي مجرد رياضة تحتمل الخسارة قبل الفوز وأن الهدف من مشاهدة أو ممارسة الرياضة هو الارتقاء بسلوك الفرد ثم التمتع بفنون هذه الرياضة .. وأن الهدف من الرياضة ليس هو مجرد "الفرحة" التي يستخدمها البعض سببا لمساندة فريق بعينه بغض النظر عن مستوى كرة القدم التي يقدمها هذا الفريق.

ليتنا نعي الدرس الإنجليزي .. ليتنا نتعلم من جمهور كان هو الأكثر شغبا على مستوى العالم ولكنه استفاد من أخطاء الماضي وقدم لنا أروع الأمثلة في التعامل مع هزيمة فريقه وخروجه من أهم البطولات وفي عقر داره .. ليتنا نعي أنه من الطبيعي أن نخسر مباراة أو حتى بطولة ولكن الغير مقبول هو أن نخسر أنفسنا ومظهرنا أمام الجميع.